هل العالم مقبل على أزمة اقتصادية ..؟

منذ عدة أشهر ، يتحدث الكثير من المحللين الاقتصاديين ، عن أن العالم مقبل على أزمة اقتصادية تشبه تلك التي حدثت في العام 2008 ، والبعض يقول أنها سوف تكون أشد وطأة ، وهي قريبة الشبه من الأزمة التي حدثت في العام 1929 ، واستمرت لنحو عشر سنوات ..

يعتمد هؤلاء المحللون ، في توقعاتهم للأزمة الاقتصادية ، على العديد من المعطيات ، أبرزها هو حجم الدين العالمي ، بالقياس إلى الناتج المحلي الإجمالي العالمي .. والذي تجاوز بحسب آخر البيانات ، الـ 350 بالمئة .. أي أن العالم مديون بأكثر من ثلاثة أضعاف إنتاجه الفعلي .. 

أما المؤشر الآخر الذي يعتمد عليه هؤلاء المحللون ، فهو تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي ، على مدى ربعين متتالين ، وهو بالفعل ما حدث خلال الستة أشهر الماضية ، إذ سجل النمو الاقتصادي العالمي تراجعا مخيفا بالمقارنة مع الستة أشهر الأولى من العام الماضي .. 

وسوى ذلك ، يتحدث البعض ، عن أنه كل عشر سنوات لا بد أن يمر الاقتصاد العالمي بأزمة ، سواء كانت محدودة كما حصل في العام 1998 ، أو في العام 1989 ،  أو واسعة كما هي أزمة الرهن العقاري الأمريكي في العام 2008 .. وغالبا ما يكون سبب هذه الأزمات ، هو خوف الناس من أحداث سياسية ، والتي تدفعهم إلى إدخار أموالهم ، والتوقف عن استثمارها ، في تمويل عمليات الشراء ، وتحويلها إلى سندات أو إلى ذهب ، ومن ثم تجميدها .. 

وبناء عليه ، فإن الحرب الاقتصادية المشتعلة بين أمريكا والصين ، قد تكون أحد مبررات هذا الخوف الموجود اليوم لدى الناس ، وبالذات مع تصاعد حدة القرارات ، التي بدأ يتخذها كل جانب ضد الآخر ، والتي من شأنها أن تؤدي إلى المزيد من الحمائية التجارية ، ورفع الرسوم الجمركية على حركة البضائع ، وبالتالي ارتفاع أسعارها ، وإحجام الناس عن شرائها .. 

وعلى جانب ثاني ، يرى محللون آخرون ، بأن الحديث عن أزمة اقتصادية قادمة ، ليس إلا تهويل إعلامي ، ولا يوجد له أي أساس اقتصادي حقيقي .. بدليل أن المديونية العالمية التي يتحدثون عنها ، وبأنها تتجاوز ثلاثة أضعاف الناتج المحلي الإجمالي العالمي ، إنما هي تخص الدول الكبرى فقط ، وعلى رأسها اليابان وأمريكا والدول الأوروبية ، التي يبلغ الدين العام فيها ، أكثر من 250 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي ، إلا أن هذه الدول قوية ، وتستطيع خدمة دينها ، بعكس الدول الفقيرة ، والتي لا تشكل مديونيتها سوى جزءا بسيطا بالمقارنة مع مديونية الدول الكبرى .. 

ويتبنى هذا الاتجاه ، محللون اقتصاديون شرق أوسطيون ، الذين يرون أن فكرة الأزمة الاقتصادية ، إنما هي مفهوم وصناعة غربية ، هدفها ابتزاز الدول الغنية غير المتقدمة ، كدول الخليج ، من أجل امتصاص الفائض المالي الموجود لديها ، وتوظيف صناديقها السيادية في خدمة اقتصادات الدول المتقدمة .. وهو ما حدث في أعقاب أزمة الرهن العقاري الأمريكي في العام 2008 ، عندما تم إجبار هذه الصناديق على الاستثمار في القطاع المصرفي ، عبر شراء حصصا كبيرة في بنوك عالمية ، بحجة مساعدتها للخروج من الأزمة . 

ومهما يكن ، فإن بوادر الأزمة الاقتصادية العالمية ، تلوح بالأفق ، ومؤشرات وجودها أكثر من مؤشرات نفيها .. إلا أن الخلاف هو على توقيتها .. هل تحدث هذا العام ، أم العام القادم ..؟ ثم أن الكثيرين يتحدثون عن تأثيراتها ، وفق تباين شديد الغرابة ، من حيث حجمها على اقتصادات الدول المتقدمة ، والدول الناشئة ، فالبعض ، يرى أن الأزمة سوف تحمل في طياتها ، ملامح انتهاء الهيمنة الأمريكية على الاقتصاد العالمي ، لصالح الصين .. التي سجلت بياناتها نموا بنسبة 6 بالمئة ، مقابل أقل من واحد بالمئة في أمريكا .. بينما سجل عجز الموازنة الأمريكي مبلغا تجاوز التريليون ونصف دولار ، لهذا العام ، وفائضا في موازنة الصين ، أكبر من هذا المبلغ .. 

كل ذلك يشير ، إلى أن الحرب التجارية المشتعلة بين الصين وأمريكا ، قد لا تبقى تجارية ، وإنما قد تتحول إلى عسكرية ، وخصوصا إذا فشل الطرفان في الجلوس مع بعضهما البعض ، والاتفاق على شكل الاقتصاد العالمي القادم ، والذي هذه المرة ، لن يكون لأمريكا مركز السيادة فيه ، وإنما لا بد أن تقبل بسيادة الصين إلى جانبها … وإلا فإن الحرب ، على الأغلب هي التي ستحسم هذا الصراع .. هذا أقل ما يتوقعه محللو الدول المتقدمة ، وعلى رأسهم المحللون الأمريكيون .. 

قاسيون